يشكل التدخين خطرا حقيقيا على الصحة، ويعتبر وباءا عالميا حيث يمثّل تعاطي التبغ أحد أهمّ أسباب الوفيات التي يمكن اجتنابها. وهو يودي بحياة نحو 8 ملايين نسمة كل عام وحوالي مليون و 000 200 وفاة ناتجة عن التعرّض غير المباشر لدخان التبغ. وتسجل ما يفوق 80% من هاته الوفيات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ويشكل هذا تهديداً للتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية عالميا و عبئا من حيث معدلات الوفيات والعجز المبكرين . ومن المتوقع ان يحصد هذا الوباء أرواح 10 ملايين نسمة بحلول عام 2030، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات وتدابير ناجعة للحد منه.

والمغرب لا يشكل استثناء فيما يخص هذه الجائحة، حيث أن 23,4% من الرجال و0,3% من النساء يستهلكون التبغ، استنادا للمسح الوطني حول عوامل الاختطار للأمراض غيرالسارية 2018. ومقارنة مع دول منطقة شرق المتوسط تعتبر نسبة التدخين بالمغرب من بين أعلى النسب المسجلة بهذه المنطقة. وتجدر الإشارة أن نسبة التدخين عند الأطفال المتمدرسين، ما بين 13 و15 سنة تصل إلى 7,3% عند الذكور و4,4% عند الإناث. ويتسبب التدخين في 8% من الوفيات في المغرب، و75% من وفيات سرطان الرئة و10% من وفيات أمراض الجهاز التنفسي. 

حسب معطيات سجل السرطانات لجهة الدار البيضاء 2008-2012 فإن 18,5% من السرطانات المسجلة سنويا مرتبطة بالتدخين عند الجنسين و35.4% من السرطانات عند الذكور أهمها سرطان الرئة.

البرنامج الوطني للوقاية ومحاربة التدخين

أطلقت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية البرنامج الوطني لمكافحة التبغ منذ عام 1988، وقد تم تعزيز هذا البرنامج وإعادة هيكلته، لا سيما منذ وضع الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ من طرف منظمة الصحة العالمية سنة 2005 وإطلاق المخطط الوطني للوقاية ومراقبة السرطان 2010-2019 وبشراكة مع مؤسسة للا سلمى للوقاية وعلاج السرطان والذي وضع مكافحة التدخين ضمن أولوياته وينص المخطط الثاني للوقاية ومحاربة السرطان 2020  2029 على أربع إجراءات مكملة ومعززة للمكتسبات المسجلة طيلة السنوات الأخيرة. كما أن الاستراتيجية الوطنية متعددة القطاعات للوقاية ومراقبة الامراض الغير السارية 2019-2029 تتضمن من بين أهدافها الحد من استهلاك التبغ بين السكان الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا فأكثر بنسبة 20% تقريبًا بحلول عام 2029.

وتجدر الإشارة أن الوقاية ومكافحة التدخين تحتاج بالإضافة إلى الإجراءات التي تهدف إلى تغيير السلوكيات الفردية المرتبطة بالتدخين واستعمال مواد التبغ إلى تدابير تشريعية وتدابير متعددة القطاعات وإلى انخراط مختلف المنظمات الحكومية وغير الحكومية على حدّ سواء. 

ويرتكز البرنامج الوطني للوقاية ومحاربة التدخين على أربعة محاور استراتيجية تهدف إلى الوقاية والحد من هذه الآفة وهي:

  1. تعزيز أنشطة التوعية والتحسيس بمخاطر التدخين، 
  2. مساعدة المدخنين الراغبين في الإقلاع عن التدخين،
  3. تنظيم دراسات وبائية لرصد وتتبع مدى انتشار هذه المعضلة،
  4. تقوية الإطار القانوني لمكافحة التدخين.

أهم الإنجازات في مجال مكافحة التدخين

فيما يخص أنشطة التوعية والتحسيس بمخاطر التدخين ففقد دأبت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية على تنظيم حملات إعلامية سنوية واسعة. وقد أطلقت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية سنة 2021 تخليدا لليوم العالمي لمحاربة التدخين والذي يصادف 31 ماي من كل سنة، حملة وطنية واسع على غرار باقي دول المعمور امتدت من 31 ماي إلى 30 يونيو 2021 وكان الهدف منها تعزيز ورفع درجة الوعي لأهمية محاربة التدخين والتي اتخذت لها كشعار "الالتزام بالإقلاع عن التدخين خلال جائحة كوفيد19-".

وتم كذلك في إطار الوقاية من التدخين خاصة عند الناشئة إطلاق ومأسسة برنامج " إعداديات وثانويات بدون تدخين" من طرف وزارة التربية الوطنية والذي يهدف إلى محاربة الشروع في التدخين في المراحل الأولى من خلال اعتماد شعار "قل لا لأول سيجارة". كما تم إنشاء نوادي في المدارس والثانويات للرفع من مستوى الوعي حول أخطار التبغ. كما تم وضع بوابة الكترونية لفائدة الشباب للتحسيس والتربية الصحية بما فيها مكافحة التدخين. 

من جهة أخرى، فقد تم دمج المساعدة الطبية على الإقلاع (consultation d’aide au sevrage tabagique) في سلة الخدمات الأساسية المقدمة في مراكز الرعاية الصحية الأولية وكذا المستشفيات. وفي هذا الصدد تم تكوين مهنيي الصحة على طرق الإقلاع عن التدخين، وقد تم خلال سنة 2021 تحديث دليل الإقلاع عن التدخين، تدريب أطباء وممرضين في مجال المساعدة ومواكبة الإقلاع على التدخين واستهدف هذا التدريب ثلاث مناطق علئ أن تستمرعملية التكوين تدريجيا لتعم جميع الجهات والأقاليم الأخرى حرصا على تسريع دينامية هذه الاستشارة في المؤسسات الصحية وفق المسارات المحددة.

و في إطار المراقبة الوبائية و التتبع الدوري لمدى انتشار التدخين تم انجاز أبحاث ميدانية منها نظام الترصد العالمي للتبغ همت الشباب المتمدرسين والطلبة والأساتذة والإداريين (المسح العالمي للتبغ للشباب GYTS) كذلك المسح الوطني لعوامل إختطار الأمراض غير السارية 2017-2018. وتشير هذه الدراسات إلى انخفاض معدلات التدخين عند التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم ما بين 13 و15 سنة من 9% سنة 2010 إلى 6% خلال سنة وكذلك عند الراشدين ابتداء من 18 سنة من 16% سنة 2008 مقابل 13.4%خلال سنة 2017.

فيما يخص المحور المتعلق بتقوية الإطار القانوني لمكافحة التدخين فقد تم وضع قانون لمكافحة التدخين وإصداره في الجريدة الرسمية عدد 4318 بتاريخ 2 أغسطس 1995 برقم 15-91 وهو يتعلق بمنع التدخين في بعض الأماكن العمومية وحضر أي دعاية أو إشهار لصالح التبغ وقد دخل حيز التطبيق بتاريخ 3 فبراير 1996. إلا أنه لم يصدر أي مرسوم تطبيقي يفعل هذا القانون.

من جهة أخرى فقد تم اعتماد القانون 66-20 المعدل والمكمل للقانون 46-02 المتعلق بنظام التبغ الخام والتبغ المصنَّع وذلك بتحديد الحد الأعلى لبعض مكونات السجائر من نيكوتين وكذلك مستوى انبعاث بعض المواد السامة   سواء بالنسبة للسجائر المستوردة أو المصنعة والمسوقة في المغرب اعتبارًا من 1 يناير 2024 على الشكل التالي: أ- 10 مليغرام من القطران لكل سيجارة؛ ب- 1 مليغرام من النيكوتين لكل سيجارة؛ ج- 10 مليغرام من أول أكسيد الكربون لكل سيجارة.
كما تم الرفع من قيمة الضريبة المفروضة على السجائر ويعتبر هذا الإجراء وسيلة فعالة للحد من تعاطي حيت يؤدي ارتفاع تمن السجائر بصفة غير مباشرة إلى التقليص من عدد السجائر المستهلكة من طرف المدخنين. 

وأخيرا وفي إطار المخطط الوطني للوقاية ومكافحة السرطان 2020-2029 سيتم تفعيل مجموعة من التدابير من أهمها:

مراجعة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التدخين في المغرب تماشيا مع توصيات منظمة الصحة العالمية المعتمدة من خلال الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ،
تعزيز التوعية والتحسيس بأضرار التبغ عند الساكنة طيلة السنة،

تعزيز المساعدة على الإقلاع على التدخين في جميع الجهات والأقاليم من خلال تطوير مهارات الأطباء الممرضين،

إطلاق برنامج مؤسسات عمومية بدون تدخين والذي سنسعى من خلاله على خلق فضاءات عمل صحية وتعبئة جميع الموظفين والعاملين في المؤسسات المنخرطة في هذا البرنامج حول محاربة التدخين،

مراجعة القانون (91-15) الخاص بمحاربة التدخين طبقا لتوجهات الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ.

خاتمة

يشكل التدخين أحد أهم أسباب الوفيات التي يمكن اجتنابها والوقاية منها و تعتبر مكافحته من أولويات الصحة العامة على الصعيد العالمي والوطني والتي تساءل المسؤوليات الجماعية والفردية في حماية افراد المجتمع من هذا الوباء. وعليه فإن تبني استراتيجية شمولية ومتعددة القطاعات ترتكز على إجراءات وقائية للحماية من تعاطي التبغ، توفير المساعدة الطبية للإقلاع عنه، حظر الإعلان عن منتجات التبغ والترويج لها يعتبر أساسي لمكافحة التدخين وتخفيف العبء الصحي والاقتصادي الناتج عنه.

المراجع

  1. سجل السرطانات لجهة الدار البيضاء 2008-2012.
  2. المخطط الوطني للوقاية ومراقبة السرطان 2010 – 2019.
  3. المخطط الوطني للوقاية ومراقبة السرطان 2029 – 2020.
  4. الاستراتيجية الوطنية متعددة القطاعات للوقاية ومراقبة الامراض الغير السارية 2019-2029.
  5. المسح العالمي للشباب والتبغ 2016.
  6. تقرير مراجعة البرنامج الوطني لمكافحة التبغ.